ماذا سيخسر المجتمع عندما يتخلى عن حرية الصحافة ؟

محمد فوراتي

يظن البعض أن حرية الصحافة ترف فكري ومطلب ثانوي جدا في المجتمع، كما يعتقد آخرون أن حرية التعبير وحرية الاعلام لا فائدة منها وأن الأولوية لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وأن هذه الحرية يمكن أن تجلب الكثير من المشاكل للمجتمعات النامية. وفي الحقيقة هذا اعتقاد خاطئ تروج له وتحاول ترسيخه جهات نافذة ماليا وسياسيا تظن أنها مستفيدة من غياب حرية الصحافة في مجتمعنا. في هذا المقال محاولة مكثفة لتعرية هذه الأطروحة من خلال الاجابة عن سؤال: كيف يمكن للمجتمعات أن تخسر فوائد كبيرة من خلال التخلي عن حرية الصحافة؟

في البداية وجب التأكيد على أن هذا المطلب الحيوي ناضلت من أجله أجيال متعاقبة من التونسيين من مختلف العائلات السياسية وفي مقدمتهم اعلاميون واعلاميات فسجن البعض وطرد وهجّر آخرون في مختلف الحقب في تاريخ تونس الحديث. وغني عن التذكير أن المجتمعات الراسخة في النمو والديمقراطية تعطي أولوية مطلقة لحرية الصحافة والتعبير وتستفيد منها على مختلف المستويات الثقافية، السياسية والاقتصادية كما أن غياب حرية الصحافة وقمع الصحفيين والسيطرة على وسائل الاعلام كان دائما مقترنا بالأنظمة المستبدة وطغيان الفساد في مجتمعات دول العالم الثالث.

في الحقيقة أن حرية الصحافة تعتبر ركيزة أساسية لأي مجتمع ديمقراطي ومتطور، لأنها تتيح للمواطنين الوصول إلى معلومات دقيقة وغير متحيزة حول الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن المؤسف أنه عندما تهمل المجتمعات حرية الصحافة أو تتنازل عنها، فإنها تخاطر بخسارة العديد من المزايا وتعاني من عواقب وخيمة وهذه أمثلة مختزلة عن خسائر المجتمع من غياب حرية الصحافة:

1- قمع الحقيقة والشفافية: من خلال التخلي عن حرية الصحافة، تحدّ المجتمعات من قدرة الصحفيين ووسائل الإعلام على الكشف عن القضايا الحاسمة والإبلاغ عنها، وبدون وسائل إعلام مستقلة، يمكن حجب الحقيقة، ويمكن لمن هم في السلطة أن يتلاعبوا بالمعلومات بما يتناسب مع مصالحهم. وهذا القمع للحقيقة يعوق الشفافية، ويضعف المساءلة، ويؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في المؤسسات.

2-  تهديد الديمقراطية وحقوق الإنسان: إن حرية الصحافة أمر حيوي لعمل ديمقراطية سليمة، فهو بمثابة أداة فحص ضد إساءة استخدام السلطة، ويساعد في كشف الفساد، ويحاسب من هم في السلطة على أفعالهم، وبدون صحافة حرة، تصبح المجتمعات أكثر عرضة للاستبداد والقمع وانتهاك حقوق الإنسان، حيث لا توجد آلية لفضح هذه الانتهاكات والتصدي لها.

3- خنق الابتكار والتقدم: تلعب حرية الصحافة دورًا حاسمًا في تعزيز الابتكار والتقدم المجتمعي، وتشجع الصحافة المستقلة التدفق الحر للأفكار والمعلومات، وتعزز التفكير النقدي والخطاب الفكري الضروري لتطوير أفكار وحلول جديدة. وعندما تتعرض حرية الصحافة للخطر، يتم منع نشر المعرفة الجديدة وتبادل الأفكار البناءة، مما يؤدي إلى خنق الابتكار وإعاقة التقدم المجتمعي.

4- تفكك التماسك الاجتماعي: من المرجح أن يعزز المجتمع المستنير التماسك الاجتماعي والتفاهم بين أفراده. وتسمح حرية الصحافة للمواطنين بالوصول إلى وجهات نظر متنوعة وتشجع الحوار المفتوح، وتسهل إجراء محادثات هادفة حول القضايا ذات الصلة. ومع ذلك، عندما يتم تقييد حرية الصحافة، يمكن أن تنتشر المعلومات الخاطئة، مما قد يؤدي إلى استقطاب المجتمعات، وتآكل الوحدة المجتمعية، وزيادة الانقسام بين المجموعات المختلفة.

5-  العواقب الاقتصادية: ترتبط حرية الصحافة أيضًا ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد القوي حيث تلعب وسائل الإعلام دورًا مهمًا في إطلاع الجمهور على الأنشطة التجارية واتجاهات السوق وفرص الاستثمار. وعندما تتعرض حرية الصحافة للخطر، تواجه الشركات تحديات في نشر المعلومات، واتخاذ قرارات مستنيرة، وجذب المستثمرين. وهذا الافتقار إلى الشفافية يعيق النمو الاقتصادي، ويعوق الاستثمارات الأجنبية، ويؤثر في نهاية المطاف على الرخاء الشامل للمجتمعات.

إن التخلي عن حرية الصحافة يأتي بعواقب وخيمة على المجتمعات. وبدون صحافة حرة، يتم قمع الحقيقة والشفافية، وتتعرض الديمقراطية وحقوق الإنسان للخطر، ويخنق الابتكار والتقدم، ويتفكك التماسك الاجتماعي، وتعاني الاقتصادات من الهزات المتتالية ويعم التخلف والفساد والقمع. ومن الأهمية بمكان أن تدرك المجتمعات أهمية دعم حرية الصحافة باعتبارها ركيزة أساسية لمجتمع أكثر صحة وازدهارًا. إن حماية حرية الصحافة والدفاع عنها من شأنها تمكين المواطنين، ومحاسبة المؤسسات، والحفاظ على أسس الديمقراطية المزدهرة.

وكما تلاحظون فإن حرية التعبير والصحافة مزاياها كثيرة فهي تعطي صورة ناصعة عن الدولة واستقرارها وقوة مؤسساتها بما يجلب لها الاحترام والاستثمار والسياحة كما تساهم بطبيعة الحال في محاربة الفساد والظلم وتكشف الظواهر الخطيرة أو المضرة وتحاربها وتعطي دفعا قويا للابتكار والعمل والنجاح. ان انتشار الاشاعة وخطاب الكراهية والعنف اللفظي وغيرها أمراض سببها الحقيقي غياب حرية الصحافة والتعتيم على المعلومات والتضييق على الاعلام المستقل والغريب أنه كلما زاد التضييق على حرية الصحافة زادت أزمات المجتمع الاقتصادية والسياسية وهذا ما يكشفه تاريخ بلادنا وتاريخ كل المجتمعات التي سبقتنا في النضال من أجل الديمقراطية والحرية

المزيد من المقالات

زر الذهاب إلى الأعلى