جمعية القضاة : مشروع تنقيح القانون الانتخابي امتهان للقضاء وضرب لأسس دولة القانون و مبادئ النظام الديمقراطي
تونس في: 23 سبتمبر 2024
بيــــــــان
مشروع تنقيح القانون الانتخابي امتهان للقضاء وضرب لأسس دولة القانون و مبادئ النظام الديمقراطي
إن المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين وبعد اطلاعه على مقترح القانون الأساسي المقدم من عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب والرامي إلى تنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 16 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وعلى شرح الأسباب المصاحب له المودعين بمجلس نواب الشعب يوم الجمعة 20 سبتمبر 2024.
وبعد وقوفه على خطورة ذلك المشروع من حيث زمن تقديمه في قلب الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها يوم 06 أكتوبر 2024 ومن حيث مضمونه وما ينطوي عليه من توجه واضح القصد منه سحب ولاية المحكمة الإدارية واختصاصها الأصلي بالتعهد والبت في النزاعات الانتخابية على خلفية ما صدر عن جلستها العامة مؤخرا من أحكام تقضي بقبول ترشحات ثلاثة من المترشحين للانتخابات الرئاسية والاذن بإدراج أسمائهم ضمن القائمة النهائية للمترشحين بعد ان سبق رفض ترشحاتهم من قبل هيئة الانتخابات،
كما يقصد مشروع القانون إلى رفع يد محكمة المحاسبات عن اختصاصها القضائي الأصيل والحصري في إجراء الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية بوصفها الجهة القضائية المخول لها من حيث تكوين قضاتها واختصاصهم تولى مهمة مراقبة حسن التصرف في المال العام والحفاظ على نقاوة الحياة السياسية من المال الفاسد وذلك بإسناد تلك الاختصاصات إلى القضاء العدلي الذي لا علاقة له بخصوصية تلك النزاعات وموجباتها وبطبيعة الرقابة المالية ومقتضياتها سواء من حيث اختصاصاته القانونية التقليدية أو من حيث تكوين قضاته فإنه:
أولا: يذكّر أن من أهم المبادئ التي تحكم القانون الانتخابي وتسيره مبدأ الاستقرار الذي يقتضي عدم المساس بقواعد تطبيقه إلا لمصلحة عليا أو لحاجة ملحة تقتضيها الضرورة وأن يكون ذلك وجوبا بعيدا عن المواعيد الانتخابية بمدة لا تقل، طبق المعايير الدولية، عن عام كامل ضمانا للمساواة بين حقوق المترشحين وواجباتهم وعدم التأثير على إرادة الناخبين أو المساس بحرية اختيارهم.
ثانيا: يندّد بما جاء بمشروع التنقيح من محاولة لتوريط مؤسسات القضاء العدلي بتكليفه بمهمات خارج اختصاصه واستهداف واضح ومقصود لكل من المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات بسحب الاختصاصات الأصلية والتقليدية الموكولة إليهما دون أي موجب بالرغم مما برهنتا عليه من حياد وكفاءة خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة ومنها الاستحقاق الرئاسي لسنة 2019 وهو ما شهد به الجميع داخل تونس وخارجها.
ثالثا: يدين بشدة ما ورد بوثيقة شرح الأسباب المرافقة لمقترح تنقيح القانون الانتخابي من اتهامات مغلوطة وعارية عن الصحة موجهة إلى قضاة المحكمة الإدارية بخرق مبدأ الحياد وواجب التحفظ والافصاح عن قرارات مستقبلية في اتجاه معين قبل التعهد أصلا بأي قضية ويعبر عن دهشته من التجاء أصحاب المبادرة التشريعية لأسلوب التشويه وتزييف الواقع من أجل التسويق لمبادرتهم.
رابعا: يوضّح أن ما قامت به المحكمة الإدارية بعداصدار قراراتها في طعون الترشحات للانتخابات الرئاسية بنشر تلك القرارات وما ترتب عليها من شرح ومن بلاغات إعلامية إنما يندرج في إطارالإعلام القضائي والممارسات الفضلى للشفافية التي استقر عليها عمل المحكمة بتوضيح كل ما يتطلب التوضيح في أعمالها للرأي العام خاصة بشأن استحقاق وطني بمثل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي درءا لكل التباسات ويُؤكد أن ذلك يدخل ضمن واجبها إزاء الرأي العام في دولة القانون والنظام الديمقراطي ولا يمس بأي شكل من الأشكال من حيادها بل يقوي الثقة العامة في القضاء وفي نزاهة أعماله.
خامسا: يبيّن أن التوجه نحو سحب الاختصاصات المعقودة أصلا لكل من المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات واسنادها إلى القضاء العدلي يأتي بعد أن عمدت السلطة السياسية إلى رفع كل الضمانات المؤسساتية على القضاة العدليين بحل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي وإعفاء 57 قاضيا وقاضية وتجميد أعمال المجلس المؤقت للقضاء العدلي، وفي ظرف استأثرت فيه وزارة العدل بإدارة المسارات المهنية للقضاة العدليين باستعمال آلية مذكرات العمل يوميا بشكل تعسفي وانتقامي في النقل المكثفة وتشكيل الدوائر وتوزيع العمل داخل المحاكم في استهداف وترهيب للقضاء العدلي مما سيؤدي في كثير من الحالات إلى خضوعه لإرادة السلطة التنفيذية وإلى تحكمها فيه وفي قراراته وأحكامه وتوجيهها حسب برامجها وأهدافها السياسية واستغلال جميع ذلك للتأثير في المسار الانتخابي وفي الرقابة عليه وفي نتائجه.
سادسا: يوضّح أن التعلل بضمان وحدة الإطار القضائي الذي يتعهد بالنظر والبت في النزاعات الانتخابية للتسويق للمبادرة التشريعية لا يُخفي الغاية الحقيقية منها نظرا إلى الاختلاف في الاختصاصات الموكولة لكل من المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات اختلافا جوهريا وعدم وجود أي ترابط بينها يبرر اسنادها لجهة قضائية واحدة فضلا على عدم وجود أي علاقة للقضاء العدلي بالنزاعات الانتخابية يبرر سحبها من القضاء الإداري المختص بحكم طبيعته بالنظر في النزاعات الانتخابية ومن القضاء المالي المختص بحكم تكوين قضاته في النظر في تمويل الحملات الانتخابية واسنادها إليه.
سابعا: يؤكّد على أن هذه المبادرة إنما تهدف إلى إلغاء أية نجاعة للرقابة القضائية على نزاعات الترشح ونزاعات النتائج وعلى تمويل الحملات الانتخابية بسحبها من الجهات القضائية المختصة فيها طبيعيا ومن القضاة المختصين والمشهود بكفاءتهم فيها واسنادها لقضاة غير مختصين كما ترمي بالنتيجة لتوظيف القضاء العدلي لأهداف وتوجهات السلطة السياسية.
ثامنا: يشدّد على أن مقترح التنقيح يمثل تدخلا فادحا في سير عمل القضاء وتلاعبا باختصاصاته ولا يمكن أن يكون على علاقة بضمان سلامة المناخ الانتخابي وحمايته من المنزلقات والمخاطر مثلما ورد بوثيقة شرح أسبابه وإنما سيؤدي حتما إلى التشكيك في المسار الانتخابي وفي شرعيته ونزاهته وشفافيته وفي نتائجه.
تاسعا: ينبّه إلى أن خطورة هذه المبادرة التشريعية تكمن في التأسيس مستقبلا للتدخل التشريعي لإلغاء أحكام القضاء للأقضية الثلاثة والتحلل من تنفيذها كلما لم توافق أغراض السلطة السياسية وهو ما بفتح الباب على مصراعيهللاعتباط والتعسف وما يزيد في تقويض أسس دولة القانون التي تقوم على التزام الدولة بتنفيذ أحكام القضاء لتلزم كل المؤسسات وكل الأفراد بها وبعلوية القانون الذي تفصل فيه المحاكم عند النزاع بالنطق بالأحكام وليس بالتدخل التشريعي من السلطة السياسية.
عاشرا: يطالب السلطة السياسية بسحب مشروع القانون كما يدعو أعضاء مجلس نواب الشعب بالتصدي له وعدم المصادقة عليه لمخالفته لمبادئ دولة القانون ومبادئ الديمقراطية وأسس النظام الجمهوري ومساسه الفادح بالاختصاصات الأصلية والتقليدية الموكولة لكل من القضاء الإداري والقضاء المالي ولما له من تداعيات خطيرة على سلامة المسار الانتخابي وعلى موقع القضاء وهيبته وفاعليته في دولة القانون كحكم محايد في فض النزاعات بالطرق السلمية بين الفرقاء وفي إقرار السلم المجتمعي.
أحد عشر: يدعو كافة مكونات المجتمع التونسي إلى اليقظة والتنبه إلى خطورة مشروع تنقيح القانون الانتخابي المعروض على مجلس نواب الشعب وتداعياته والعمل بكافة الوسائل السلمية والمشروعة للتصدي له والحيلولة دون تمريره والمصادقة عليه.
عن المكتب التنفيذي
رئيس الجمعية
أنس الحمادي